اليمن و «الخيار الثالث»

اليمن و «الخيار الثالث»

اليمن و «الخيار الثالث»

 العرب اليوم -

اليمن و «الخيار الثالث»

خالد الدخيل

نجحت «عاصفة الحزم» في تحقيق ثلاثة أهداف: استعادة الحكومة بدعم من التحالف العربي والجيش الوطني وقوات المقاومة، المبادرةَ العسكرية من يد تمرد الحوثيين والرئيس السابق علي صالح. استعادة أغلب الأراضي اليمنية إلى سيطرة الحكومة الشرعية، ما مكّنها من العودة إلى اليمن. ثالثاً وضع حد لإمكان تمدد النفوذ الإيراني من خلال ميليشيا الحوثيين كذراع لها في الجزيرة العربية. كانت إيران تأمل بتكرار تجربة «حزب الله» في لبنان على الحدود الجنوبية للسعودية. بدلاً من ذلك كشفت الحرب حقيقة ميليشيا الحوثي وتحالفاتها وطبيعتها القمعية، ما أفقدها التعاطف حتى في صنعاء التي تسيطر عليها، والتي تقترب منها قوات الجيش والمقاومة تحت غطاء طيران التحالف. كل ذلك مجتمعاً يقول إن جماعة الحوثي، ومعها الرئيس السابق، تخسر الرهان وإن بشكل بطيء ومتدرج.

هنا يبرز السؤال: لماذا إذاً الحديث عن فكرة خيار ثالث في اليمن؟ كان هذا هو السؤال الذي طرحته على مصطفى النعمان، الكاتب والسفير اليمني السابق، صيف العام الماضي، عندما وصل بنا الحديث إلى هذه الفكرة التي يتبناها عن قناعة تامة. إجابة الأستاذ النعمان كانت أن الخيار الثالث بات هو المخرج الأفضل المتاح الآن لما يعتبر أنه مأزق وصلت إليه الأزمة اليمنية. ويعني بذلك أن طرفي النزاع، أي الحكومة الشرعية بقياداتها من ناحية، وجماعة الحوثي وعلي صالح من ناحية أخرى، غير قادرين على التوصل إلى حل سياسي نظراً لما تراكم بينهما من العداء والكراهية المتبادلة، وبالتالي عدم القدرة على تعاطي كل منهما مع الوضع القائم خارج الخيار العسكري. يضيف الأستاذ النعمان عن حق أن الحرب ستتوقف في نهاية المطاف. ومن الأفضل الاستعداد لهذه النهاية ببلورة حل سياسي بدلاً من الانتظار لتحقيق ذلك إلى ما بعد توقف الحرب. لا يجادل النعمان في أن الحوثي، في ظل الواقع العسكري القائم، هو الطرف الأضعف. لكنه يخشى من أن في هذا ما يغري الطرف الآخر بالتمسك بخيار الحسم العسكري لوضع حد للصراع، وتحقيق الحل السياسي الذي يتطلع إليه الجميع. هو يخشى ذلك لأنه يرى أن قيادات الحكومة الشرعية لن تكون قادرة نظراً لطبيعتها وانخراطها في الصراع، على التعامل مع الواقع السياسي بعد توقف الحرب.

الحقيقة أن ما يقوله الأستاذ النعمان عن هذا الموضوع لا يمثل رأيه هو وحسب، بل رأي وقناعة مجموعة من القيادات اليمنية السابقة، اختارت النعمان أن يكون المتحدث باسمها. وهي مجموعة يبدو أنها تشكلت بعيداً من الأضواء، من قيادات نأت بنفسها عن الصراع واعتزلته. من الشخصيات التي تضمها هذه الجماعة اللواء حسين المسوري رئيس الأركان العامة الأسبق، وأحمد صوفان نائب رئيس الوزراء وزير التخطيط السابق، وأحمد لقمان وزير سابق للشؤون الاجتماعية، وأحمد الكحلاني وزير سابق من طبقة الهاشميين، إلا أنه على النقيض من الحوثيين. إسماعيل الوزير وزير العدل السابق، وهو هاشمي ومعارض للحوثيين أيضاً. نبيل صادق باشا عضو مجلس النواب من إب. أحمد محمد علي عثمان من شخصيات تعز المعروفة، وغيرهم. يمكن أن نطلق على هذه المجموعة اسم «جماعة الخيار الثالث». وهي جماعة يقول النعمان إنها لم تعلن تأييدها لعاصفة الحزم، لكنها لم تعارضها أيضاً. ولأنها، إلى جانب ذلك، تمثل كل أطياف المجتمع اليمني، فإنها تعتبر نفسها جماعة مستقلة عن طرفي الصراع قولاً وفعلاً، ومن هنا ترى أنها الأقدر في الظروف الراهنة على تناول الوضع اليمني من زاوية أوسع وأشمل من تلك التي ينظر من خلالها طرفا الصراع المحتدم حالياً. إلى جانب ذلك فإن الخط السياسي لـ «جماعة الخيار الثالث» لا يتفق مع خيارات الحوثيين وتصرفاتهم، ويعتبر اليمن جزءاً لا يتجزأ من الجزيرة العربية، وأن السعودية هي الشقيق الأكبر في هذا الفضاء، ما يحتم علاقات مستقرة وآمنة معها. في الوقت ذاته، تتمسك الجماعة بحق الحوثيين كمكون سياسي من مكونات اليمن في أي حل ستتمخض عنه نهاية الحرب. كل ذلك يجعل من هذه الجماعة الأقدر، كما يقول أعضاؤها، على التعامل مع كل أطراف الصراع.

ما الذي تنشده «جماعة الخيار الثالث»على وجه التحديد؟ يقول البيان الذي وصلني «لقد وجدت هذه المجموعة أن على عاتقها مسؤولية دينية ووطنية وأخلاقية لبذل ما تستطيع لإيجاد وفاق وطني وإقليمي حول أهدافها التي تسمو فوق كل اعتبار حزبي واجتماعي وطائفي وسياسي». ولذلك، فإن من بين أهم ما تنشده أولاً «بذل كل مسعى لوقف الحرب...». ثانياً «عودة الأطراف السياسية كافة إلى الحوار الهادف إلى تطبيع الحياة السياسية وإنهاء معاناة المواطنين وفق مرجعيات يتفق عليها، وفي مقدمها أمن اليمن واستقراره وأمن المملكة العربية السعودية واستقرارها خصوصاً وأمن الخليج عموماً». ثالثاً السعي من أجل تحقيق مصالحة وطنية شاملة لإنهاء الحرب... ورفع الحصار البري والبحري والجوي عن المدن والأراضي اليمنية كافة، وتسهيل حركة المواد الإغاثية وسحب المسلحين من المدن مع تبني إصدار قانون عفو عام يشمل الجميع، والتواصل مع الأطراف اليمنية والإقليمية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية الشقيقة بمنتهى الحيدة والمسؤولية». رابعاً «إجراء اتصالات مع المنظمات الإقليمية والدولية كافة...»، خامساً التواصل مع الدول المعنية مباشرة بالأزمة اليمنية والعمل معها على وقف الحرب بصورة دائمة ودعم جهود المصالحة اليمنية مع وضع أسس لعلاقة استراتيجية متكافئة بين اليمن ودول مجلس التعاون وتعزيز عوامل الثقة وضمان حسن الجوار بين اليمن والمملكة العربية السعودية». سادساً «النظر إلى القضية الجنوبية باعتبارها مسألة وطنية معالجتها تتم في إطار حوار وتوافقات تعيد ترتيب النظام السياسي بطريقة مؤسسية وقانونية... إلخ».

أول ملاحظة على رؤية الجماعة هي أنها بصيغتها الحالية لا تعدو كونها مبادئ عامة تمثل أساساً للحل المنشود، وليس الحل ذاته. والأهم من ذلك أن هذه الرؤية لم تتطرق إلى خطورة ظاهرة الميليشيا المسلحة كما تتمثل في جماعة الحوثيين والقاعدة، على سبيل المثال. ومن حيث إن الميليشيا، كما القبيلة وإنْ لأسباب مختلفة، هي نقيض للدولة، فإن التساهل مع وجودها ينسف مفهوم هذه الدولة الذي تسعى إليه الجماعة. وتتضاعف خطورة هذه المسألة من تفشي ظاهرة الميليشيا في العالم العربي، ومحاولة التطبيع الثقافي والسياسي معها، كما هو حاصل في العراق ولبنان وليبيا. وبالتالي، فإن تجاهل موضوع الميليشيا في رؤية الخيار الثالث قد يؤسس على المدى الطويل لعملية تطبيع أخرى في اليمن، وهو أمر لن يكون مقبولا من السعودية، أو من مصر التي تقع على الجانب الآخر من البحر الأحمر قبالة اليمن، وتعاني من ظاهرة الميليشيا في سيناء. يضاف إلى ذلك، أن مبادئ الجماعة تشير بصيغة مفتوحة في بعض بنودها إلى دور لدول إقليمية في الحل السياسي في اليمن، من دون تحديد لهذه الدول. إيران إحدى الدول الإقليمية، وقد تدخلت في اليمن من خلال الحوثيين، وهو ما استدعى انطلاق عاصفة الحزم لوضع حد لهذا التدخل. ومن ثم فإن هذه الإشارة المفتوحة في مبادئ الجماعة سينظر إليها في الرياض على أنها تعيد فتح الباب مجدداً لدور إيراني في الحل السياسي في اليمن من خلال حلفائهم الحوثيين. إن كون اليمن بلد عربي يعني أن الدول العربية، خاصة السعودية ومصر، هي المعنية دون غيرها، بعد اليمنيين، بإيجاد مثل هذا الحل. الملاحظة الثالثة غياب المرجعيات التي تم التوافق عليها بين اليمنيين عن مبادئ الجماعة، وبخاصة مخرجات الحوار الوطني، والمبادرة الخليجية، واتفاق السلم والشراكة الذي فرضه الحوثيون أنفسهم، وأخيراً القرار الأممي 2216. السؤال هنا: هل يقبل الحوثيون بالحل الذي يتطلع إليه أصحاب الخيار الثالث بعد أن تنكروا لكل هذه المرجعيات، خاصة اتفاق «السلم والشراكة» الذي فرضوه وقبلت به الرياض ومجلس التعاون الخليجي؟ الطرف الحوثي، وهو الأضعف في الصراع ويخسر بشكل متواصل، لا يشجع على الثقة به بحكم التجربة، بل إن التحالف الإقليمي الذي ينتمي إليه ويعمل على إدخاله إلى الجزيرة العربية يتميز بالسمة نفسها وبحكم التجربة السعودية تحديداً في لبنان وسورية. كل ذلك يشير إلى أن دول التحالف أكثر استعدادا لقبول مبادرة الخيار الثالث. وليس هناك ما يمنع من وجود خيار سياسي بالتوازي مع الخيار العسكري. لكن الأمل بنجاح المبادرة يعتمد أولاً على قبول الحوثيين بأن الدولة الوطنية للجميع على أساس من العدل والمساواة من دون أي تمييز، والتخلي عن فكرة الميليشيا، وباستبعاد أي دور لإيران في الحل المنشود، تمسكاً بوحدة اليمن وبعروبته وهويته الإسلامية التي ساهم فيها منذ القرن الإسلامي الأول.

arabstoday

GMT 00:58 2023 الأحد ,24 كانون الأول / ديسمبر

دور السحر في الحرب الراهنة على غزّة

GMT 00:01 2023 الإثنين ,24 إبريل / نيسان

حميدتي والبرهان على فوهة البركان

GMT 17:44 2022 الخميس ,29 كانون الأول / ديسمبر

بيضة الديك

GMT 23:43 2022 الأحد ,09 تشرين الأول / أكتوبر

مسيرة المليار ميل

GMT 17:09 2022 الأربعاء ,27 تموز / يوليو

مشروع غزّة في اليمن

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اليمن و «الخيار الثالث» اليمن و «الخيار الثالث»



إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 20:00 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار مختلفة لجعل غرفة المعيشة مميَّزة وأكثر راحة
 العرب اليوم - أفكار مختلفة لجعل غرفة المعيشة مميَّزة وأكثر راحة

GMT 02:44 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

القسام تعلن قصف مدينة سديروت جنوب إسرائيل برشقة صاروخية
 العرب اليوم - القسام تعلن قصف مدينة سديروت جنوب إسرائيل برشقة صاروخية

GMT 12:03 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشف عن تفاصيل مسلسلها الجديد رمضان 2025
 العرب اليوم - روجينا تكشف عن تفاصيل مسلسلها الجديد رمضان 2025

GMT 05:58 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

من الرياض... التزامات السلام المشروط

GMT 12:31 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

3 خطوات سهلة لتخفيف التوتر وزيادة السعادة في 10 دقائق فقط

GMT 12:50 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

موسكو تدعو "حماس" إلى الإفراج "الفوري" عن مواطنين روسيين

GMT 12:48 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

انفجار قوي يهز العاصمة السورية دمشق ويجري التحقق من طبيعته

GMT 13:31 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب تطرح ميزة “مسودات الرسائل” الجديدة

GMT 13:26 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 20:44 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

فريق ترمب يُعدّ قائمة بمسؤولين في البنتاغون لفصلهم
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab